سورة الملك - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الملك)


        


{وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10)}
{وَقَالُواْ} أيضًا معترفين بأنهم لم يكونوا ممن يسمع أو يعقل كان الخزنة قالوا لهم في تضاعيف التوبيخ ألم تسمعوا آيات ربكم ولم تعقلوا معانيها فأجابوهم بقولهم: {لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ} كلامًا {أَوْ نَعْقِلُ} شيئًا {مَا كُنَّا فِى أصحاب السعير} أي في عدادهم ومن جملتهم والمراد بهم قيل الشياطين لقوله تعالى: {وأعتدنا لهم عذاب السعير} [الملك: 5] وقيل الكفار مطلقًا واختصاص إعداد السعير بالشياطين ممنوع لقوله تعالى: {إنا اعتدنا للكافرين سلاسل وأغلالًا وسعيرًا} [الإنسان: 4] والآية لا تدل على الاختصاص وفيه دغدغة لعلك تعرفها مما يأتي إن شاء الله تعالى قريبًا فلا تغفل ونفيهم السماع والعقل لتنزيلهم ما عندهم منهما لعدم انتفاعهم به منزلة العدم وفي ذلك مع اعتبار عموم المسموع والمعقول ما لا يخفى من المبالغة واعتبرهما بعض الأجلة خاصين قال أي لو كنا نسمع كلام النذير فنقبله جملة من غير بحث وتفتيش اعتمادًا على ما لاح من صدقه بالمعجز أو نعقل فنفكر في حكمه ومعانيه تفكر المستبصرين ما كنا إلخ وفيه إشارة إلى أن السماع والعقل هنا عنى القبول والتفكر واو للترديد لأنه يكفي انتفاء كل منهما لخلاصهم من السعير أو للتنويع فلا ينافي الجمع وقيل أشير فيه إلى قسمي الإيمان التقليدي والتحقيقي أو إلى الأحكام التعبدية وغيرها واستدل بالآية كما قال ابن السمعاني في القواطع من قال بتحكيم العقل وأنت تعلم أن قصارى ما تشعر به أن العقل يرشد إلى العقائد الصحيحة التي بها النجاة من السعير وأما أنها تدل على أن العقل حاكم كما يقول المعتزلة فلا واستدل بها أيضًا كما نقل عن ابن المنير على أن السمع أفضل من البصر ومن العجيب استدلال بعضهم بها على أنه لا يقال للكافر عاقل.


{فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ (11)}
{فاعترفوا بِذَنبِهِمْ} الذي هو كفرهم وتكذيبهم بآيات الله تعالى ونذره عز وجل: {فَسُحْقًا لاصحاب السعير} أي فبعدًا لهم من رحمته تعالى وهو دعاء عليهم وقرأ أبو جعفر والكسائي فسحقًا بضم الحاء والسحق مطلقًا البعد وانتصابه على أنه مصدر مؤكد أي سحقهم الله تعالى سحقًا قال الشاعر:
يجول بأطراف البلاد مغربا *** وتسحقه ريح الصبا كل مسحق
وقيل هو مصدر إما لفعل متعد من المزيد بحذف الزوائد كما في قوله:
وإن أهلك فذلك كان قدري ***
أي تقديري والتقدير فأسحقهم الله سحقًا أي إسحاقًا أو بفعل مرتب على ذلك الفعل أي فأسحقهم الله تعالى فسحقوا سحقًا كما في قوله:
وعضة دهر يا ابن مروان لم تدع *** من المال إلا مسحت أو مجلف
أي لم تدع فلم يبق إلا مسحت وإلى أول الوجهين ذهب أبو علي الفارسي والزجاج وبعد ثبوت الفعل الثلاثي المتعدي كما في البيت وبه قال أبو حيان لا يحتاج إلى ما ذكر واللام في لا صحاب للتبيين كما في {هيت لك} [يوسف: 23] وسقيًا لك وفي الآية على ما قيل تغليب ولعل وجهه عند القائل وهو أن السوق يقتضي أن يقال فسحقًا لهم ولأصحاب السعير فإنه تعالى بين أولًا أحوال الشياطين حيث قاله سبحانه: {واعتدنا لهم عذاب السعير} [الملك: 5] ثم بين أحوال الكفار حيث قال عز وجل: {وللذين كفروا بربهم عذاب جهنم} [الملك: 6] والأوفق بقراءة النصب والأبعد من شبهة التكرار أن يراد بالموصول غير الشياطين ثم قال تعالى شأنه فسحقًا لأصحاب السعير فكان السوق يقتضي فسحقًا لهم ولأصحاب السعير لكن لم يقل كذلك لأجل التغليب حيث أطلق أصحابه السعير على الشياطين والكفار جميعًا ولا يضر في هذا دلالة غير آية على عدم اختصاص أصحاب السعير بالشياطين بل يطلق على سائر الكفرة أيضًا لأنه يكفي في التغليب الاختصاص المتبادر من السوق هنا ولا توقف له على عدم جواز إطلاق ذلك على غير الشياطين في شيء من المواضع على أنه يمكن أن يقال لا حاجة إلى التزام اختصاص أصحاب السعير بالشياطين أصلًا ولو بحسب السوق بل يكفي لصحة التوجيه كونهم أصيلًا في دخول السعير والكفار ملحقين بهم كما يشعر به قوله تعالى: {ما كنا في أصحاب السعير} [الملك: 10] عنى في عدادهم وجملتهم فحينئذٍ يكون الداخل في السعير قسمين وكان مقتضى الظاهر ذكرهما معًا في الدعاء عليهم بالسحق كما يشهد به سياق الآية لكنه عدل وغلب أصحاب السعير الدال على الأصالة على غيره من التوابع وذكر أن في هذا التغلب إيجازًا وهو ظاهر ومبالغة أي في الإبعاد إذ لو أفرد كل من الفريقين بالذكر لأمكن أن يتوهم تفاوت الإبعادين بأن يكون إبعاد الكفرة دون إبعاد الشياطين على ما يشعر به جعلهم الشياطين أصيلًا وأنفسهم ملحقة بهم فلما ضموا إليهم في الحكم به دل على أن إبعادهم لم يقصر عن إبعاد أولئك وأيضًا لما غلب سبحانه وتعالى أصحاب السعير وهم الشياطين على الكفار فقد جعل الكفار من قبيل الشياطين فكأنهم هم بأعيانهم وفيه من المبالغة ما لا يخفى وتعليلًا فإن ترتب الحكم على الوصف وكذا تعلقه به يشعر بعليته له فيشعر ذلك بأن الإبعاد حصل لهم لأجل كونهم أصحاب السعير وقيل في توجيه التغليب وما فيه من الأمور الثلاثة غير هذا وقد عد ذلك من المشكلات وغدا معتركًا لعلماء الروم وغيرهم من العلماء الأعلام ولعل ما ذكرناه أقرب إلى الأفهام وأبعد عن النزاع والخصام فتأمل والله تعالى ولي الأفهام.


{إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (12)}
{إِنَّ الذين يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بالغيب} أي يخافون عذابه غائبًا عنهم أو غائبين عنه أو عن أعين الناس غير مرائين أو بما خفي منهم وهو قلوبهم {لَهُم مَّغْفِرَةٌ} عظيمة لذنوبهم {وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} لا يقادر قدره وتقديم المغفرة على الأجر لأن درء المضار أهم من جلب المنافع والجملة المذكورة قيل استئناف بياني وقوله تعالى:

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8